فصل: الملوك الذين حكموا بني إسرائيل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)



.ذكر حكام بني إسرائيل ثم ملوكهم:

.الحكام الذين دبروا بني إسرائيل بعد موسى إلى طالوت:

لما مات موسى عليه السلام، لم يتول على بني إسرائيل ملك، بل كان لهم حكام سدوا مسد الملوك ولم يزالوا على ذلك، حتى قام فيهم طالوت، فكان أول ملوكهم على ما ستقف عليه- إن شاء الله تعالى- وهذا الفصل أعني فصل حكام بني إسرائيل وملوكهم، قد كثر الغلط فيه لبعد عهده، ولكونه باللغة العبرانية، فتعسر النطق بألفاظه على الصحة؛ ولهم أجد في نسخ التواريخ التي وقعت لي في هذا الفن، ما أعتمد على صحته، لأن كل نسخة وقفت عليها في هذا الفن، وجدتها تخالف الأخرى، إما في أسماء الحكام، وإما في عددهم، وإما في مدد استيلائهم. ولليهود الكتب الأربعة والعشرون، وهي عندهم متواترة قديمة، ولم تعرب إلى الآن، بل هي باللغة العبرانية، فأحضرت منها سفري قضاة بني إسرائيل وملوكها، وأحضرت إنساناً عارفاً باللغة العبرانية والعربية، وتركته يقرأها، وأحضرت بها ثلاث نسخ؛ وكتبت منها ما ظهر عندي صحته، وضبطت الأسماء بالحروف والحركات حسب الطاقة، والله الموفق للصواب.
تدبير يوشع بن نون بني إسرائيل:
ولما مات موسى عليه السلام، قام بتدبير بني إسرائيل يوشع بن نون بن اليشاماع بن عميهوذ بن لعدان بن تاحن بن تالح بن راشف بن رافح بن بريعا بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب، وأقام ببني إسرائيل في التيه ثلاثة أيام، ثم ارتحل يوشع ببني إسرائيل، وأتى بهم إلى الشريعة، وهي النهر الذي بالغور، واسمه الأردن، في عاشر نيسان من السنة التي توفي فيها موسى، فلم يجد للعبور سبيلا، فأمر يوشع حاملي صندوق الشهادة الذي فيه الألواح بأن ينزلوا إلى حافة الشريعة، فوقفت الشريعة حتى انكشف أرضها، وعبر بنو إسرائيل، ثم بعد ذلك عادت الشريعة إلى ما كانت عليه.
ونزل يوشع ببني إسرائيل على أريحا محاصراً لها، وصار في كل يوم يدور حولها مرة واحدة، وفي اليوم السابع أمر بني إسرائيل أن يطوفوا حول أريحا سبع مرات، وأن يصوتوا بالقرون، فعند ما فعلوا ذلك هبطت الأسوار، ورسخت وتساوت الخنادق بها، ودخل بنو إسرائيل أريحا بالسيف، وقتلوا أهلها.
وبعد فراغه من أريحا سار إلى نابلس، إلى المكان الذي بيع فيه يوسف، فدفن عظام يوسف هناك، وكان موسى قد استخرج يوسف من نيل مصر، واستصحبه معه إلى التيه، فبقي معهم أربعين سنة، وتسلمه يوشع، فلما فرغ من سار به ودفنه هناك.
وملك يوشع الشام وفرق عماله فيه، واستمر يوشع يدبر بني إسرائيل نحو ثمان وعشرين سنة، ثم توفي يوشع، ودفن في كفر حارس وله من العمر مائة وعشر سنين. ورأيت في تاريخ ابن سعيد المغربي أن يوشع مدفون في المعرة، فلا أعلم هل نقل ذلك، أم أثبته على ما هو مشهور الآن، أقول: فكانت وفاة يوشع سنة ثمان وعشرين لوفاة موسى.
تدبير فيخاس بن العزر وكالاب بن يوفنا بني إسرائيل:
وبعد وفاة يوشع قام بتدبيرهم فيخاس بن العزر بن هارون بن عمران، وكالاب بن يوفنا، وكان فيخاس هو الإمام، وكان كالأب يحكم بينهم، وكان أمرهما في بني إسرائيل ضعيفاً.
ودام بنو إسرائيل على ذلك سبع عشرة سنة، ثم طغوا وعصوا الله، فسلط الله عليهم كوشان ملك الجزيرة، قيل إنها جزيرة قبرس، وقيل بل كان كوشان المذكور ملك الأرمن، وكان من ولد العيص بن إسحاق، فاستولى على بني إسرائيل، واستعبدهم ثماني سنين، فاستغاثوا إلى الله تعالى.
تدبير عثنيال بني إسرائيل:
وكان لكالاب أخ من أمه يقال له عثنيال بن قناز، فأقام كالأب المذكور أخاه عثنيال على بني إسرائيل، أقول فكان خلاص بني إسرائيل من كوشان المذكور في سنة اثنتين وخمسين لوفاة موسى عليه السلام، لأن كوشان حكم عليهم ثماني سنين، وفيخاس بفاء مشربة بتاء موحدة ثم ياء مثناه من تحتها ممالة ثم نون ساكنة ثم جاء مهملة ثم آلف ممالة وسين مهملة- ثم قام فيهم بعد استيلاء كوشان عثنيال بن قناز من سبط يهوذا، وأزال ما كان على بني إسرائيل لصاحب الجزيرة من القطيعة، وأصلح حال بني إسرائيل.
وكان عثنيال رجلا صالحاً واستمر يدبر أمر بني إسرائيل أربعين سنة وتوفي، أقول: فتكون وفاته في أواخر سنة اثنتين وتسعين لوفاة موسى- عثنيال بعين مهملة وثاء مثلثة ساكنة ونون مكسورة وياء مثناه من تحتها مهموزة وألف ولام- ثم من بعد وفاة عثنيال، أكثر بنو إسرائيل المعاصي، وعبدوا الأصنام، فسلط الله عليهم عغلوان ملك موآب من ولد لوط، واستعبد بني إسرائيل، فاستغاثت بنو إسرائيل إلى الله أن ينقذهم من عغلون المذكور، واستمر بنو إسرائيل تحت مضايقة عغلون ثماني عشرة سنة، فيكون خلاصهم منه في أواخر سنة عشر ومائة لوفاة مرسى- عغلون. بفتح العين المهملة وسكون الغين المعجمة وضم اللام وسكون الواو ثم نون-.
تدبير أهوذ وشمكار بن عنوث بني إسرائيل:
ثم أقام الله لبني إسرائيل أهوذ من سبط بنيامين، وكف أهوذ عنهم أذية عغلون ومضايقته، وأقام أهوذ يدبرهم ثمانين سنة، فيكون وفاة أهوذ في أواخر سنة تسعين ومائة لوفاة موسى- أهوذ بفتح الهمزة وضم الهاء وسكون الواو ثم ذال معجمة- ولما مات أهوذ قام بتدبيرهم بعده شمكار بن عنوث دون سنة، أقول فتكون ولاية شمكار ووفاته في سنة إحدى وتسعين ومائة لوفاة موسى عليه السلام- شمكار بفتح الشين المثلثة وسكون الميم وكاف وألف وراء مهملة- ثم طغى بنو إسرائيل فأسلمهم الله تعالى في يد بعض ملوك الشام، واسمه يابين، فاستعبدهم عشرين سنة، حتى خلصوا منه، فيكون خلاصهم من يابين المذكور في أواخر سنة إحدى عشرة ومائتين لوفاة موسى.
تدبير باراق بن أبي نعيم ودبورا بني إسرائيل:
باراق بن أبي نعيمثم قام فيهم رجل من سبط نعتالي، يقال له: باراق بن أبي نعم، وامرأة يقال لها دبورا، فقهر يابين، ودبرا أمور بني إسرائيل أربعين منه، أقول فيكون انقضاء مدتهما في أواخر سنة إحدى وخمسين ومائتين لوفاة موسى عليه السلام- باراق: بباء موحدة من تحتها، وألف وراء مهملة وألف وقاف.
كذعون بن يواشثم:
إن بني إسرائيل أخطأوا، وارتكبوا المعاصي لغير مدبر لهم من بني إسرائيل مدة سبع سنين، واستولى عليهم أعداؤهم من أهل مدين في تلك المدة، أقول: فيكون آخر مدة هذه الفترة في أواخر سنة ثمان وخمسين ومائتين من وفاة موسى عليه السلام، فاستغاثوا إلى الله فأقام فيهم كذعون بن يواش، فقتل أعداءهم وأقام منار دينهم، واستمر فيهم كذلك أربعين سنة، أقول فيكون وفاته في أواخر سنة ثمان وتسعين ومائتين لوفاة موسى- كذعون بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة وضم العين المهملة وواو ونون- ثم قام فيهم بعد كذعون ابنه أبيمالخ ثلاث سنين، فيكون وفاته في أواخر سنه إحدى وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السلام- أبيمالخ بهمزة وباء موحدة من تحتها ثم ياء مثناه من تحتها وميم وألف ولام وخاء معجمة.
ثم قام فيهم بعد أبيمالخ المذكور رجل من سبط يشسوخر، يقال له يؤاإير الجرشي، اثنتين وعشرين سنة، فيكون وفاته لمضي ثلاثمائة وثلاث وعشرين سنة من وفاة موسى- يوءاإير: بضم الياء المثناه من تحتها وهمزة مفتوحة ثم ألف ثم همزة مكسورة وياء مثناه من تحتها وراء مهملة- ثم إن بني إسرائيل أخطأوا وارتكبوا المعاصي، فسلط الله تعالى عليهم بني عمون، وهم من ولد لوط، وكان ملك بني عمون إذ ذاك يقال له: أمونيطو، فاستولى على بني إسرائيل ثماني عشرة سنة، حتى خلصوا منه، فيكون انقضاء مدته في أواخر سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة لوفاة موسى.
يفتح الجرشيثم:
استغاث بنو إسرائيل إلى الله تعالى، فأقام فيهم رجلا اسمه يفتح الجرشي من سبط منشا، فكفاهم شر بني عمون، وقتل من بني عمون خلقاً كثيراً، ودبرهم ست سنين، فتكون وفاته في أواخر سنة ثلاثمائة، سبع وأربعين- يفتح بضم الياء المثناة من تحتها وسكون الفاء وضم التاء المثناة من فوق وحاء مهملة.
أبصنثم قام فيهم من بعد بفتح رجل من سبط يهوذا اسمه أبصن سبع سنين، فتكون وفاته في أواخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة لوفاة موسى عليه السلام- أبصن: بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة من تحتهما وضم الصاد المهملة ثم نون.
آلونثم دبرهم بعد أبصن رجل اسمه آلون من سبط زبولون عشر سنين، فيكون وفاته في سنة أربع وستين وثلاثمائة لوفاة موسى- آلون بهمزة ممدودة ممالة وضم اللام ثم واو ونون.
ثم دبرهم بعد آلون رجل اسمه عبدون بن هلال من سبط أفرايم بن يوسف ثماني سنين، فيكون وفاته في أواخر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة لوفاة موسى- عبدون بفتح العين المهملة. وسكون الياء الموحدة وضم الدال المهملة ثم واو ونون.
شمشون بنمانوح:
ثم أخطأوا وعملوا بالمعاصي، فسلط الله أهل فلسطين، واستولوا عليهم أربعين سنة، فيكون آخر استيلاء أهل فلسطين عليهم في أواخر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة لوفاة موسى، فاستغاثوا إلى الله عز وجل فأقام فيهم رجلا اسمه شمشون ابن مانوح من سبط دان.
وكان لشمشون المذكور قوة عظيمة، ويعرف بشمشون الجبار، فدافع أهل فلسطين ودبر بني إسرائيل عشرين سنة، ثم غلبه أهل فلسطين، وأسروه، ودخل إلى كنيستهم، وكانت مركبة على أعمدة، فأمسك العواميد، وحركها بقوة، حتى وقعت الكنيسة، فقتلته، وقتلت من كان فيها من أهل فلسطين، وكان منهم جماعة من كبارهم، فيكون انقضاء مدة تدبير شمشون المذكور لهم في أواخر سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة لوفاة موسى- شمشون بفتح الشين المعجمة وسكون الميم شين معجمة مضمومة ثم واو ونون-.
إيثامور بن هارونثم كانت فترة، وصار بنو إسرائيل بغير مدبر منهم، عشر سنين، فيكون انقضاء مدة الفترة في أواخر سنة اثنتين وأربعين وأربع مائة لوفاة موسى. ثم قام فيهم رجل من ولد إيثامور بن هارون بن عمران اسمه عالي الكاهن، وأصل الكاهن في لغتهم كوهن، ومعناه الإمام، وكان عابي المذكور رجلا صالحاً فدبر بني إسرائيل أربعين سنة، وكان عمره لما ولي ثمانياً وخمسين سنة، فيكون مدة عمره ثمانياً وتسعين سنة.
وفي أول سنة من ولايته، ولد شمويل النبي بقرية النبي على باب القدس، يقال لهما شيلو، وفي السنة الثالثة والعشرين من ولاية عالي المذكور ولد داود النبي عليه السلام. فيكون وفاة عالي المذكور في أواخر سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة لوفاة موسى- عالي بعين مهملة على وزن فاعل-.
شمويل النبي:
ثم دبر بني إسرائيل، شمويل النبي، وكان قد تنبأ لما صار له من العمر أربعون سنة، وذلك عند وفاة عالي، فدبر شمويل بني إسرائيل إحدى عشرة سنة، ومنتهى هذه الإحدى عشرة هي آخر سني حكام بني إسرائيل وقضاتهم، فإن جميع من ذكر من حكام بني إسرائيل، كانوا بمنزلة القضاة، وسدوا مسد ملوكهم.
طالوت بن قيش:
وبعد الإحدى عشرة سنة التي دبرهم شمويل المذكور قام لبني إسرائيل ملوك على ما سنذكره إن شاء الله تعالى، فيكون انقضاء سني حكامهم في سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة لوفاة موسى، ثم حضر بنو إسرائيل إلى شمويل، وسألوه أن يقيم فيهم ملكاً، فأقام فيهم شاول، وهو طالوت بن قيش من سبط بنيامين، ولم يكن طالوت من أعيانهم، قيل: إنه كان راعياً، وقيل: سقاء، وقيل: دباغاً.

.الملوك الذين حكموا بني إسرائيل:

ملك طالوت سنتين، واقتتل هو وجالوت.
وكان جالوت من جبابرة الكنعانيين، وكان ملكه بجهات فلسطين، وكان من الشدة، وطول القامة، بمكان عظيم.
فلما برز للقتال لم يقدر على مبارزته أحد، فذكر شمويل علامة الشخص الذي يقتل جالوت، فاعتبر طالوت جميع عسكره، فلم يكن فيهم من يوافقه تلك العلامة.
وكان داود عليه السلام أصغر بني أبيه، وكان يرعى غنم أبيه وأخوته، فطلبه طالوت، واعتبره شمويل بالعلامة، وهي دهن كان يستدير على رأس من يكون فيه السر وأحضر أيضاً تنور حديد، وقال: الشخص الذي يقتل جالوت يكون ملء هذا التنور؛ فلما اعتبر داود ملء التنور، واستدار الدهن على رأسه؛ ولما تحقق ذلك العلامة، أمره طالوت بمبارزة جالوت، فبارزه، وقتل داود جالوت، وكان عمر داود إذ ذاك ثلاثين سنة.
ثم بعد ذلك مات شمويل، فدفنته بني إسرائيل في الليل، وناحوا عليه، وكان عمره اثنتين وخمسين سنة، وأحب الناس داود، ومالوا إليه، فحسده طالوت، وقصد قتله مرة بعد أخرى، فهرب داود منه، وبقي متحرراً على نفسه، وفي آخر الحال، إن طالوت ندم على ما كان منه من قصد قتل داود، وغير ذلك مما وقع منه، وقصد أن يكفر لله تعالى عنه ذنوبه، بموته في الغزاة، فقصد الفلسطينيين وقاتلهم، حتى قتل هو وأولاده في الغزاة، فيكون موت طالوت في أواخر سنة خمس وتسعين وأربعمائة لوفاة موسى.
ولما قتل طالوت افترقت الأسباط، فملك على أحد عشر سبطاً إيش بوشت بن طالوت، واستمر إيش بوشت ملكاً على الأسباط المذكورين في ثلاث سنين، وانفرد عن إيش بوشت سبط يهوذا فقط، وعلك عليهم داود بن بيشار ابن عوفيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عمينوذب بن رم بن حصرون بن بارص يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام، وحزن داود على طالوت، ولعن موضع مصرعه.
وكان مقام داود بحبرون، فلما استوثق له الملك، ودخلت جميع الأسباط تحت طاعته، وذلك في سنة ثمان وثلاثين من عمر داود، انتقل إلى القدس.
ثم إن داود فتح في الشام فتوحات كثيرة من أرض فلسطين، وبلد عمان، ومؤاب وحلب ونصيبين وبلاد الأرمن وغير ذلك.
ولما أوقع داود بصاحب حلب وعسكره، وكان صاحب حماة إذ ذاك اسمه ثاعو، وكان بينه وبين صاحب حلب عداوة، فأرسل صاحب حماة ثاعو المذكور وزيره بالسلام والدعاء إلى داود، وأرسل معه هدايا كثيرة فرحاً بقتل صاحب حلب.
ولما صار لداود ثمان وخمسون سنة، وهي السنة الثامنة والعشرون من ملكه، كانت قصته مع أوريا وزوجته، وهي واقعة مشهورة، وفي سنة ستين من عمر داود، خرج عليه ابنه ابشولوم بن داود، فقتله بعض قواد بني إسرائيل، وملك داود أربعين سنة.
ولما صار لداود سبعون سنة توفي، فيكون وفاة داود في أواخر سنة خمس وثلاثين وخمس مائة لوفاة موسى، وأوصى داود قبل موته بالملك إلى سليمان ولده، وأوصاه بعمارة بيت المقدس، وعين لذلك عدة بيوت أموال، تحتوي على جمل كثيرة من الذهب.
سليمانفلما مات داود ملك سليمان وعمره اثنتا عشرة سنة، وآتاه الله من الحكمة والملك ما لم يؤته لأحد سواه؛ على ما أخبر الله عز وجل به في حكم كتابه العزيز. وفي السنة الرابعة من ملكه، في شهر أيار وهي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة لوفاة موسى، ابتدأ سليمان عليه السلام في عمارة بيت المقدس، حسبما تقدمت به وصية أبيه إليه، وأقام سليمان في عمارة بيت المقدس سبع سنين، وفرغ منه في السنة الحادية عشرة من ملكه، فيكون الفراغ من عمارة بيت المقدس في أواخر سنة ست وأربعين وخمسمائة لوفاة موسى عليه السلام.
وكان ارتفاع البيت الذي عمره سليمان ثلاث ذراعاً، وطوله ستين ذراعاً في عرض عشرين ذراعاً، وعمل خارة البيت سوراً محيطاً به، امتداده خمسمائة ذراع في خمس مائة ذراع.
ثم بعد ذلك شرع سليمان في بناء دار مملكة بالقدس، واجتهد في عمارتها وتشييدها، وفرغ منها في مدة ثلاث عشرة سنة، وانتهت عمارتها في السنة الرابعة والعشرين من ملكه.
وفي السنة الخامسة والعشرين من ملكه جاءته بلقيس ملكة اليمن، ومن معها، وأطاعه جميع ملوك الأرض، وحملوا إليه نفائس أموالهم، واستمر سليمان على ذلك حتى توفي، وعمره اثنتان وخمسون سنة، فكانت مدة ملكه أربعين سنة، فيكون وفاة سليمان عليه السلام، في أواخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة لوفاة موسى.
رحبعم:
ولما توفي سليمان ملك بعده ابنه رحبعم، وكان رحبعم المذكور رديء الشكل، شنيع المنظر، فلما تولى حضر إليه كبراء بني إسرائيل، وقالوا له: إن أباك سليمان كان ثقيل الوطأة علينا، وحملنا أموراً صعبة، فإن أنت خففت الوطأة عنا، وأزلت عنا ما كان أبوك قد قرره علينا، سمعنا لك، وأطعناك، فأخر رحبعم جوابهم إلى ثلاثة أيام، واستشار كبراء دولة أبيه في جوابهم، فأشاروا بتطييب قلوبهم، وإزالة ما يشكونه.
ثم إن رحبعم استشار الأحداث، ومن لم يكن له معرفة، فأشاروا بإظهار الصلابة والتشديد على بني إسرائيل، لئلا يحصل لهم الطمع.
فلما حضروا إلى رحبعم ليسمعوا جوابه، قال لهم: أنا خنصري أغلظ من ظهر أبي وما كنتم تخشونه من أبي، فإنني أعاقبكم بأشد منه، فعند ذلك خرج عن طاعته عشرة أسباط، ولم يبق مع رحبعم غير سبطي يهوذا وبنيامين فقط، وملك على الأسباط العشرة رجل من عبيد أبيه سليمان، اسمه: يربعم.
يربعموكان يربعم المذكور فاسقاً كافراً، وافترقت حينئذ مملكة بني إسرائيل، واستقر لولد داود الملك على السبطين فقط، أعني سبطي يهوذا وبنيامين، وصار للأسباط العشرة ملوك تعرف بملوك الأسباط، واستمر الحال على ذلك نحو مائتين وإحدى وستين سنة، وكانت ولد سليمان في بني إسرائيل، بمنزلة الخلفاء للإسلام، لأنهم أهل الولاية، وكانت ملوك الأسباط مثل ملوك الأطراف والخوارج.
وارتحلت الأسباط إلى جهات فلسطين وغيرها بالشام، واستقر ولد داود ببيت المقدس، ونحن نقدم ذكر بني داود إلى حيث اجتمعت لهم المملكة على جميع الأسباط، ثم بعد ذلك نذكر ملوك الأسباط متتابعين إن شاء الله تعالى، فنقول: واستمر رحبعم ملكاً على السبطين حسبما شرح، حتى دخلت السنة الخامسة من ملكه، فيها غزاه فرعون مصر، واسمه شيشاق، ونهب مال رحبعم، المخلف عن سليمان.
واستمر رحبعم على ما استقر له من الملك، وزاد في عمارة بيت لحم، وعمارة غزة وصور وغير ذلك من البلاد، وكذلك عمر أيلة وجددها، وولد لرحبعم ثمانية وعشرون ولداً ذكراً غير البنات، وملك رحبعم سبع عشرة سنة، وكانت مدة عمره إحدى وأربعين سنة، أقول: فيكون وفاة، رحبعم في أواخر سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة لوفاة موسى- رحبعم براء مهملة لم أتحقق حركتها وضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وضم العين المهملة ثم ميم.
أفياولما توفي رحبعم، ملك بعده وعلى قاعدته، ابنه أخيا ثلاث سنين، فيكون وفاة أفيا في أواخر سنة خمس وتسعين وخمس مائة لوفاة موسى- وأفيا بفتح الهمزة وكسر الفاء التي هي بين الفاء والذال على مقتضى اللغة العبرانية وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف-.
أساولما توفي أفيا ملك بعده ابنه أسا إحدى وأربعين سنة، وخرج على أسا عدو فهزم الله العدو، بين يدي أسا، وقيل: إن العدو كان من الحبشة، وقيل: من الهنود، أقول فكانت وفاة أسا في أواخر سنة ست وثلاثين وستمائة لوفاة موسى- أسا بضم الهمزة وفتح السين المهملة ثم ألف يهوشافاطثم ملك بعد أسا ابنه: يهوشافاط خمساً وعشرين سنة.
وكان عمر يهوشافاط لما ملك، خمساً وثلاثين سنة، وكان يهوشافاط رجلا صالحاً كثير العناية بعلماء بني إسرائيل، وخرج على يهوشافاط من ولد العيص، وجاءا في جمع عظيم، وخرج يهوشافاط لقتالهم، فألقى الله بين أعدائه الفتنة، واقتتلوا فيما بينهم، حتى انمحقوا وولوا منهزمين، فجمع يهوشافاط منهم غنائم كثيرة، وعاد بها إلى القدس مؤيداً منصوراً، واستمر في ملكه خمساً وعشرين سنة، وتوفي، فتكون وفاته في أواخر سنة إحدى وستين وستمائة- ويهوشافاط بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو وفتح الشين المعجمة وبعدها ألف ثم فاء وألف ثم طاء مهملة.
يهورامثم ملك بعد يهوشافاط ابنه يهورام وكان عمر يهورام لما ملك اثنتين وثلاثين سنة، وملك ثماني سنين، فيكون وفاته في أواخر سنة تسع وستين وستمائة- ويهورام بفتح الياء المثناة من تحتها وضم الهاء وسكون الواو وراء مهملة ثم ألف وميم.
أحزياهوولما مات يهورام ملك بعده ابنه أحزياهو، وكان عمره لما ملك اثنتين وأربعين سنة، وملك سنتين، فيكون وفاته في أواخر سنة إحدى وسبعين وستمائة،- وأحزياهو بفتح الهمزة والحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها ثم ألف وهاء وواو.
عثليا هو:
ثم كان بعد أحزياهو فترة بغير ملك، وحكمت في الفترة المذكورة امرأة ساحرة، أصلها من جواري سليمان عليه السلام، واسمها عثليا هو وتتبعت بني داود فأفنتهم، وسلم منها طفل أخفوه عنها، وكان اسم الطفل يؤاش بن أحزيو، واستولت عثليا هو كذلك سبع سنين، فيكون آخر الفترة.
عثليا هو يؤاشوعدم عثليا هو في أواخر سنة ثمان وسبعين وستمائة لوفاة موسى عليه السلام، ثم ملك بعد عثليا هو يؤاش وهو ابن سبع سنين، وفي السنة الثالثة والعشرين من ملكه، رمم بيت المقدس، وجدد عمارته، وملك يؤاش أربعين سنة، فيكون وفاته في أواخر سنة ثماني عشرة وسبع مائة لوفاة موسى- ويؤاش: بضم المثناة من تحتها ثم همزة وألف وشين معجمة-.
أمصياثم ملك بعد يؤاش ابنه أمصيا هو، وكان عمره لما ملك خمساً وعشرين سنة، وملك تسعاً وعشرين سنة، وقيل: خمس عشرة، وقتل، فيكون موته في أواخر سنة سبع وأربعين وسبعمائة لوفاة موسى عليه السلام- وأمصيا هو بفتح الهمزة وفتح الميم وسكون الصاد المهملة ومثناة من تحتها وألف وهاء وواو.
عزياهوثم ملك بعده عزياهو وكان عمره لما ملك ست عشرة سنة، وملك اثنتين وخمسين سنة، ولحقه البرص، وتنغصت عليه أيامه، وضعف أمره في آخر وقت، وتغلب عليه ولده يوثم، فيكون وفاة عزياهو في أواخر سنة تسع وتسعين وسبع مائة لوفاة موسى- وعزياهو: بضم العين المهملة وتشديد الزاي المعجمة ثم مثناة من تحتها وألف وهاء وواو.
يوثمثم ملك بعد عزياهو ابنه يوثم، وكان عمر يوثم لما ملك خمساً وعشرين سنة، وملك ست عشرة سنة، فيكون وفاته في سنة خمس عشرة وثمانمائة لوفاة موسى- ويوثم: بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وقح الثاء المثلثلة ثم ميم- وقيل: إن في أيامه كان يونس النبي عليه السلام على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
آحزولما توفي يوثم ملك بعده ابنه آحز، وكان عمر آحز لما ملك- عشرين سنة، وملك ست عشرة سنة. وفي السنة الرابعة من ملكه قصده ملك دمشق، واسمه رصين وكان أشعيا النبي في أيام آحز فبشر آحز أن الله تعالى يصرف رصين بغير حرب، فكان كذلك، فيكون وفاة آحز، في أواخر سنة إحدى وثلاثين وثمان مائة- وآحز بهمزة ممدودة ممالة وحاء مهملة ممالة أيضاً ثم زاي معجمة.
حزقياولما توفي آحز المذكور ملك بعده ابنه: حزقيا، وكان رجلا صالحاً مظفراً، ولما دخلت السنة السادسة من ملكه، انقرضت دولة الخوارج، ملوك الأسباط الذين قدمنا ذكرهم عند ذكر رحبعم بن سليمان، ونحن نذكرهم الآن مختصراً من أولهم إلى حين انتهوا في هذه السنة، أعني: السنة السادسة من ملك حزقيا، ثم إذا فرغنا من ذكرهم، نعود إلى ذكر حزقيا، ومن ملك بعده، فنقول: إن ملوك الأسباط المذكورين، خرجوا- بعد وفاة سليمان- على رحبعم بن سليمان، في أوائل سنة ست وسبعين وخمسمائة، وانقرضوا في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، فيكون مدة ملكهم مائتين وإحدى وستين سنة، وعددهم سبعة عشر ملكاً، وهم: يربعم ونوذب وبعشو وإيلا، وزمري وبني وعمري وآحؤب، وأحزيو وياهورا، وياهو، ويهوياحاز ويؤاش ويربعم آخر وبقحيوء، وياقح وهو شاع، وملك المذكورون في المدة المذكورة أعني مائتين وإحدى وستين سنة تقريباً، وقد ذكر لكل واحد منهم المدة التي هلك فيها، وجمعنا تلك المدد، فلم يطابق ذلك التفصيل هذه الجملة المذكورة، فأضربنا عن ذكر تفصيل مدة ما ملك كل واحد منهم، ونذكر شيئاً من أخباره، فنقول: أما أولهم) فهو يربعم، فكان من عبيد سليمان بن داود، وكان يربعم المذكور كافراً، فلما ملك أظهر الكفر وعبادة الأوثان، وفي السنة الثامنة عشر من ملك يربعم توفي رحبعم بن سليمان.
وأما ثانيهم نؤذب، فهو ابن يربعم المذكور.
وأما ثالثهم بعشو فهو ابن آخيا من سبط يشوخر. وأما رابعهم: إيلا فهو ابن بعشو المذكور، وكان مقدم جيشه زمري، فقتل إيلا وتولى زمري مكانه.
وخامسهم: زمري المذكور، أحرق في قصره. وأما سادسهم تبني: فإنه ولي الملك خمس سنين بشركة عمري. وأما سابعهم عمري: فإنه بعد موت تبني استقل بالملك بمفرده. وعمري المذكور هو الذي بني صبصطية، وجعلها دار ملكه. وأما ثامنهم أحؤب: فهو ابن عمري، وقتل في حرب كانت بينه وبين صاحب دمشق. وأما تاسعهم أحزبو: فهو ابن أحؤب المذكور، وكان موته بأن سقط من روشن له فات. وأما عاشرهم ياهورام: فهو وأخو أحزيو المذكور، وكان في أيامه الغلاء. وأما حادي عشرهم ياهو: فهو ابن نمشي. وأما ثاني عشرهم يهوياحاز: فهو ابن ياهو المذكور. وأما: ثالث عشرهم يؤاش: فهو ابن يهوياحاز. وأما رابع عشرهم يربعم الثاني: فهو ابن يؤاش، وقوي في مدة ملكه، وارتجع عدة من قرى بني إسرائيل، كانت قد خرجت عنهم من حماة إلى كنسر، وعلى عهده كان يونس النبي عليه السلام. وأما خامس عشرهم يقحيوء فإن مدته لم تطل، وأما سادس عشرهم باقح، فعلى أيامه حضر ملك الجزيرة وغزا الأسباط المذكورين، وأخذ منهم جماعة إلى بلده، وأجلى بعضهم إلى خراسان، وأما سابع عشرهم هو شاع، فهو ابن إيلا، ولما تولى أطاع صاحب الجزيرة، واسمه سلمناصر وقيل فلنصر، وبقي هو شاع في طاعته تسع سنين، ثم عصاه، فأرسل صاحب الجزيرة المذكور، وحاصره ثلاث سنين، وفتح بلده صبصطية، وأجلاه وقوه إلى بلد خراسان، وأسكن موضعهم السامرة وكان ذلك في السنة السادسة من ملك حزقيا، فانضم من سلم من الأسباط إلى حزقيا، ودخلوا تحت طاعته.
سنحاريبوملك حزقيا تسعاً وعشرين سنة، وكان عمره لما ملك عشرين سنة، وكان من الصلحاء الكبار، وكان قد فرغ عمره قبل موته بخمس عشرة سنة، فزاده الله تعالى في عمره خمس عشرة سنة، وأمره أن يتزوج وأخبره بذلك نبي كان في زمانه. وفي أيام ملك حزقيا، قصده سنحاريب ملك الجزيرة، فخذله الله تعالى، ووقعت الفتنة في عسكره فولى راجعاً، ثم قتله اثنان من أولاده في نينوى، وكان أشعيا النبي قد أخبر بني إسرائيل أن الله تعالى يكفيهم شر سنحاريب بغير قتال، ثم إن ولديه اللذين قتلاه في نينوى، هربا إلى جبال الموصل، ثم سار إلى القدس، فأمنا بحزقيا، وكان اسمهما اذرمالخ وشراصر.
أسرحدونوملك بعد سنحاريب ابنه الآخر، واسمه اسرحدون، وعظم بذلك أمر حزقيا، وهادنته الملوك، وملك حسبما ذكرنا تسعاً وعشرين سنة، وتوفي، فيكون وفاة حزقيا في أواخر سنة ستين وثمانمائة لوفاة موسى عليه السلام- حزقيا بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة وكسر القاف وتشديد الياء المثناة من تحتها ثم ألف-.
منشاثم ملك بعده ابنه منشا، وكان عمره لما ملك اثنتي عشرة سنة، فعصى لما تملك، وأظهر العصيان والفسق والطغيان مدة اثنتين وعشرين سنة من ملكه، غزاه صاحب الجزيرة.
ثم إن منشا أقلع عما كان منه، وتاب إلى الله توبة نصوحاً حتى مات، وكانت مدة ملكه خمساً وخمسين سنة، فيكون وفاته في أواخر سنة تسعمائة وخمس عشرة- منشا بميم لم يتحقق حركتها ونون مفتوحة وشين معجمة مشددة وألف- ثم ملك بعده ابنه آمون سنتين، فيكون وفاته في أواخر سنة سبع عشرة وتسع مائة لوفاة موسى- آمون بهمزة ممالة وميم مضمومة ثم واو ونون- ثم ملك بعده ابنه يوشيا، ولما ملك أظهر الطاعة والعبادة، وجدد عمارة بيت المقدس، وأصلحه. وملك يوشيا المذكور إحدى وثلاثين سنة، فيكون وفاته في أواخر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة- يوشيا بضم المثناة من تحتها وسكون الواو وكسر الشين المعجمة وتشديد المثناة من تحتها ثم ألف.
ثم ملك بعده ابنه يهوياحوز، ولما ملك يهوياحوز، غزاه فرعون مصر وأظنه فرعون الأعرج، وأخذ يهوياحوز أسيراً إلى مصر فمات بها، وكانت مدة ملكه ثلاثة أشهر، فيكون انقضاء مدة ملكه في السنة المذكورة- أعني سنة ثمان وأربعين وتسعمائة أو بعدها بقليل-.
يهوياقيم:
ولما أسر يهوياحوز، ملك بعده أخوه يهوياقيم، وفي السنة الرابعة من ملكه تولى بخت نصر على بابل- وهي سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة لوفاة موسى- وذلك على حكم ما اجتمع لنا من مدد ولايات حكام بني إسرائيل، والفترات التي كانت بيتهم، وأما ما اختاره المؤرخون فقالوا: إن من وفاة موسى عليه السلام، إلى ابتداء ملك بخت نصر، تسعمائة وثمانية وسبعين سنة ومائتين وثمانية وأربعين يوماً، وهو يزيد على ما اجتمع لنا من المدد المذكورة فوق ست وعشرين سنة، وهو تفاوت قريب، وكأن هذا النقص إنما حصل من إسقاط اليهود كسورات المدد المذكورة، فإنه من المستبعد أن يملك الشخص عشرين سنة، أو تسع عشرة سنة- مثلا- بل لا بد من أشهر وأيام مع ذلك.
بخت نصر:
فلما ذكروا لكل شخص مدة صحيحة سالمة من الكسر، نقصت جملة السنين القدر المذكور- أعني ستاً وعشرين سنة وكسوراً- وحيث انتهينا إلى ولاية بخت نصر، فنؤرخ منه ما بعده- إن شاء الله تعالى- وكان ابتداء ولاية بخت نصر في سنة تسع وسبعين وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام.
وفي السنة الأولى من ولاية بخت نصر، سار إلى نينوى- وهي مدينة قبالة الموصل، بينهما دجلة- ففتحها وقتل أهلها وخربها.
وفي السنة الرابعة من ملكه- وهي السابعة من ملك يهوياقيم- سار بخت نصر بالجيوش إلى الشام، وغزا بني إسرائيل، فلم يحاربه. يهوياقيم ودخل تحت طاعته، فبقاه بخت نصر على ملكه، وبقي يهوياقيم تحت طاعة بخت نصر ثلاث سنين، ثم خرج عن طاعته، وعصى عليه، فأرسل بخت نصر وأمسك يهوياقيم، وأمر بإحضاره إليه فمات يهوياقيم في الطريق من الخوف، فتكون مدة يهوياقيم نحو إحدى عشرة سنة، ويكون انقضاء ملك يهوياقيم في أوائل سنة ثمان لابتداء ملك بخت نصر- يهوياقيم بفتح المثناة من تحتها وضم الهاء وواو ساكنة وياء مثناة من تحتها وألف وقاف مكسورة، وياء مثناة من تحتها ساكنة وميم.
لما أخذ يهوياقيم المذكور إلى العراق، استخلف مكانه ابنه- وهو يخنيو- فأقام يخنيو موضع أبيه مائة يوم، ثم أرسل بخت نصر من أخذه إلى بابل- يخنيو بفتح المثناة من تحتها وفتح الخاء المعجمة وسكون النون، وضم المثناة من تحتها، ثم واو.
ولما أخذ بخت نصر يخنيو إلى العراق أخذ معه أيضاً جماعة من علماء بني إسرائيل، من جملتهم دانيال وحزقال النبي، وهو من نسل هارون، وحال وصول يخنيو سجنه بخت نصر، ولم يبرح مسجوناً حتى مات بخت نصر، ولما أمسك بخت نصر يخنيو نصب مكانه على بني إسرائيل عم يخنيو المذكور، وهو صدقيا.
صدقياواستمر صدقيا تحت طاعة بخت نصر، وكان إرميا النبي في أيام صدقيا، فبقي يعظ صدقيا وبني إسرائيل، ويهددهم ببخت نصر، وهم لا يلتفتون.
وفي السنة التاسعة من ملك صدقيا عصى على بخت نصر، فسار بخت نصر بالجيوش، ونزل على بارين ورفنية، وبعث الجيوش مع وزيره، واسمه نبو زرذون- بفتح النون وضم الباء الموحدة وسكون الواو وفتح الزاي والراء المهملة وسكون الألف وضم الذال المعجمة وسكون الواو وفي آخرها نون- إلى حصار صدقيا بالقدس، فسار الوزير الكذكور بالجيش وحاصر صدقيا مدة سنتين ونصف، أولها عاشر تموز من السنة التاسعة لملك صدقيا، وأخذ بعد حصاره المدة المذكورة القدس بالسيف، وأخذ صدقيا أسيراً، وأخذ معه جملة كثيرة من بني إسرائيل، وأحرق القدس، وهدم البيت الذي بناه سليمان، وأحرقه وأباد بني إسرائيل قتلا وتشريداً.
فكان مدة ملك صدقيا نحو إحدى عشرة سنة، وهو آخر ملوك بني إسرائيل.
وأما من تولى بعده من بني إسرائيل، بعد إعادة عمارة بيت المقدس- على ما سنذكره- فإنما كان له الرئاسة بيت المقدس فحسب، لا غير ذلك، فيكون انقضاء ملوك بني إسرائيل، وخراب بيت المقدس على يد بخت نصر سنة عشرين من ولاية بخت نصر تقريباً، وهي السنة التاسعة والتسعون وتسعمائة لوفاة موسى عليه السلام، وهي أيضاً سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة مضت من عمارة بيت المقدس، وهي مدة لبثه على العمارة، واستمر بيت المقدس خراباً سبعين سنة، ثم عمر على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وإلى هنا انتهى نقلنا عن كتب اليهود المعروفة بالأربعة والعشرين المتواترة عندهم، وقربنا في ضبط هذه الأسماء غاية ما أمكننا، فإن فيها أحرفاً ليست من حروف العربية، وفيها إمالات ومدات لا يمكن أن تعلم بغير مشافهة، لكن ما ذكرناه من الضبط، هو أقرب ما يمكن، فليعلم ذلك.
ومن تجارب الأمم لابن مسكويه قال: إن بخت نصر لما غزا القدس وخربه وأباد بني إسرائيل، هرب من بني إسرائيل جماعة، قاموا بمصر عند فرعون، فأرسل بخت نصر إلى فرعون مصر يطلبهم منه، وقال: هؤلاء عبيدي، وقد هربوا إليك، فلم يسلمهم فرعون مصر، وقال: ليس هم بعبيدك، وإنما هم أحرار، وكان هذا هو السبب لقصد بخت نصر غزو مصر، وهرب منهم جماعة إلى الحجاز، وأقاموا مع العرب.
من كتاب أبي عيسى: إن بخت نصر لما فرغ من خراب القدس وبني إسرائيل، قصد مدينة صور، فحاصرها مدة، وإن أهل صور جعلوا جميع أموالهم في السفن، وأرسلوها في البحر، فسلط الله تعالى على تلك السفن ريحاً، فغرقت أموالهم عن آخرها.
وجد بخت نصر في حصارها، وحصل لعسكره منهم جراحات كثيرة وقتل، وما زال على ذلك حتى ملكها بالسيف، وقتل صاحب صور، لكنه لم يجد فيها من المكاسب ماله صورة.
ثم سار بخت نصر إلى مصر، والتقى هو وفرعون الأعرج، فانتصر بخت نصر عليه، ومتله وصلبه، وحاز أموال مصر وذخائرها، وسبا من كان بمصر من القبط وغيرهم، فصارت مصر بعد ذلك خراباً أربعين سنة، ثم غزا بلاد المغرب، وعاد إلى بلاده ببابل، وسنذكر أخبار بخت نصر ووفاته. مع ملوك الفرس- إن شاء الله تعالى. وأما بيت المقدس فإنه عمر بعد لبثه على التخريب سبعين سنة، وعمره بعض ملوك الفرس- واسمه عند اليهود كيرش- وقد اختلف في كيرش المذكور: من هو؟. فقيل: دارا بن بهمن، وقيل: بل هو بهمن المذكور، وهو الأصح، ويشهد لصحة ذلك كتاب إشعيا على ما سنذكر ذلك عند ذكر أزدشير بهمن المذكور مع ملوك الفرس إن شاء الله تعالى.
ولما عادت عمارة بيت المقدس، تراجعت إليه بنو إسرائيل من العراق وغيره، وكانت عمارته في أول سنة سبعين لابتداء ولاية بخت نصر. ولما تراجعت بنو إسرائيل إلى القدس كان من جملتهم عزير وكان بالعراق، وقدم معه من بني إسرائيل ما يزيد على ألفين من العلماء وغيرهم، وترتب مع عزير في القدس مائة وعشرون شيخاً من علماء بني إسرائيل.
وكانت التوراة قد عدمت منهم إذ ذاك، فمثلها الله تعالى في صدر العزير، ووضعها لبني إسرائيل يعرفونها بحلالها وحرامها، فأحبوه حباً شديداً، وأصلح العزير أمرهم، وأقام بينهم على ذلك.
من كتب اليهود: إن العزير لبث مع بني إسرائيل في القدس يدبر أمرهم، حتى توفي بعد مضي أربعين سنة لعمارة بيت المقدس. أقول: فيكون وفاة العزير سنة ثلاثين ومائة لابتداء ولاية بخت نصر، واسم العزير بالعبرانية عزرا وهو من ولد فتحاس بن العزر بن هارون بن عمران.
ومن كتب اليهود: إن الذي تولى رئاسة بني إسرائيل ببيت المقدس بعد العزير شمعون الصديق وهو أيضاً من نسل هارون.
من كتاب أبي عيسى إن بني إسرائيل لما تراجعوا إلى القدر بعد عمارته. صار لهم حكام منهم، وكانوا تحت حكم ملوك الفرس، واستمروا كذلك حتى ظهر الإسكندر في سنة أربع مائة وخمس وثلاثين لولاية بخت نصر. وغلبت اليونان على الفرس، ودخلت حينئذ بنو إسرائيل تحت حكم اليونان، وأمام اليونان من بني إسرائيل ولاة عليهم، وكان يقال للمتولي عليهم هرذوس، وقيل هيروذس، واستمر بنو إسرائيل على ذلك حتى خرب بيت المقدس الخراب الثاني، وتشتت منه بنو إسرائيل على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ولنرجع إلى ذكر من كان من الأنبياء في أيام بني إسرائيل.